سورة العنكبوت - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (العنكبوت)


        


{الم أَحَسِبَ النَّاسُ} أَظَنَّ الناسُ، {أَنْ يُتْرَكُوا} بغير اختبار ولا ابتلاء، {أَنْ يَقُولُوا} أي: بأن يقولوا، {آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ} لا يبتلون في أموالهم وأنفسهم؟ كلا لنختبرنهم ليبَّين المخلص من المنافق والصادق من الكاذب.
واختلفوا في سبب نزول هذه الآية، قال الشعبي: نزلت في أناس كانوا بمكة قد أقروا بالإسلام، فكتب إليهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه لا يقبل منكم إقرار بالإسلام حتى تهاجروا، فخرجوا عامدين إلى المدينة فاتبعهم المشركون فقاتلوهم فمنهم من قتل ومنهم من نجا، فأنزل الله هاتين الآيتين.
وكأن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أراد بالناس الذين آمنوا بمكة: سلمة بن هشام، وعياش بن ربيعة، والوليد بن الوليد وعمار بن ياسر وغيرهم. وقال ابن جريج: نزلت في عمار بن ياسر، كان يعذب في الله عز وجل. وقال مقاتل: نزلت في مِهْجَع بن عبد الله مولى عمر، كان أول قتيل من المسلمين يوم بدر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «سيد الشهداء مهجع، وهو أول من يدعى إلى باب الجنة من هذه الأمة»، فجزع أبواه وامرأته فأنزل الله فيهم هذه الآية. وقيل: {وهم لا يفتنون} بالأوامر والنواهي، وذلك أن الله تعالى أمرهم في الابتداء بمجرد الإيمان، ثم فرض عليهم الصلاة، والزكاة، وسائر الشرائع، فشقّ على بعضهم، فأنزل الله هذه الآية، ثم عزّاهم فقال: {وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ}.


{وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} يعني الأنبياء والمؤمنين، فمنهم من نُشِرَ بالمنشار ومنهم من قتل، وابتلي بنو إسرائيل بفرعون فكان يسومهم سوء العذاب، {فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا} في قولهم آمنَّا، {وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} والله أعلم بهم قبل الاختبار. ومعنى الآية: فليظهرنّ الله الصادقين من الكاذبين حتى يُوجِدَ معلومَه، وقال مقاتل: فليريّن الله. وقيل: ليمّيزن الله كقوله: {ليميز الله الخبيث من الطيب} [الأنفال- 38].
{أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ} يعني الشرك، {أَنْ يَسْبِقُونَا} يُعْجزونا ويفوتونا، فلا نقدر على الانتقام منهم، {سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} بئس ما حكموا حين ظنوا ذلك.


{مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ} قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، ومقاتل: من كان يخشى البعث والحساب. والرجاء بمعنى الخوف. وقال سعيد بن جبير رضي الله عنه: من كان يطمع في ثواب الله، {فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لآتٍ} يعني: ما وعد الله من الثواب والعقاب. وقال مقاتل: يعني: يوم القيامة لكائن. ومعنى الآية: أن من يخشى الله أو يأمله فليستعدّ له، وليعمل لذلك اليوم، كما قال: {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا} الآية [الكهف – 110]، {وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}.
{وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ} له ثوابه، والجهاد: هو الصبر على الشدة، ويكون ذلك في الحرب، وقد يكون على مخالفة النفس. {إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} عن أعمالهم وعباداتهم.
{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ} لنبطلنّها، يعني: حتى تصبر بمنزلة ما لم يُعْمل، والتكفير: إذهاب السيئة بالحسنة، {وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ} أي: بأحسن أعمالهم وهو الطاعة، وقيل: نعطيهم أكثر مما عملوا وأحسن، كما قال: {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها} [الأنعام – 160].
قوله عز وجل: {وَوَصَّيْنَا الإنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا} أي: برًا بهما وعطفًا عليهما، معناه: ووصَيّنا الإنسان أن يفعل بوالديه ما يحسن. نزلت هذه الآية، والتي في سورة لقمان [الآية 15]، والأحقاف [الآية 15] في سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه- وهو سعد بن مالك أبو إسحاق الزهري، وأمه حمنة بنت أبي سفيان بن أمية بن عبد شمس- لما أسلم، وكان من السابقين الأولين، وكان بارًا بأمه، قالت له أمه: ما هذا الدين الذي أحدثت؟ والله لا آكل ولا أشرب حتى ترجع إلى ما كنتَ عليه، أو أموت فتعيّر بذلك أبد الدهر، ويقال: يا قاتل أمه. ثم إنها مكثت يومًا وليلة لم تأكل ولم تشرب ولم تستظل، فأصبحت قد جهدت، ثم مكثت يومًا آخر لم تأكل ولم تشرب، فجاء سعد إليها وقال: يا أماه لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفسًا نفسًا ما تركت ديني فكلي، وإن شئت فلا تأكلي، فلما أيست منه أكلت وشربت، فأنزل الله تعالى هذه الآية، وأمره بالبر بوالديه والإحسان إليهما وأن لا يطيعهما في الشرك، فذلك قوله عز وجل: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا}. وجاء في الحديث: «لا طاعة لمخلوق في معصية الله». ثم أوعد بالمصير إليه فقال: {إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} أخبركم بصالح أعمالكم وسيئها فأجازيكم عليها.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8